*سيناريو «دارفور 2003» يتكرّر: السودان نحو حرب أهلية مفتوحة* عرب محمد عبد الكريم أحمد الأربعاء 22 أيار 2024 مع تواري «منص

عاجل

الفئة

shadow
*سيناريو «دارفور 2003» يتكرّر: السودان نحو حرب أهلية مفتوحة*

عرب محمد عبد الكريم أحمد الأربعاء 22 أيار 2024

مع تواري «منصّة جدة» عمليّاً عن المشهد السوداني، وتحوّلها إلى حدث إعلامي يتكرّر من وقت إلى آخر من دون أيّ خطوات ملموسة تُسهم في تسوية النزاع القائم، اختار «مجلس السيادة» الانتقالي والجيش السوداني، منتصف الشهر الجاري، جوبا، حتى تتوسّط في محادثات السلام مع «حركة التحرير الشعبية - شمال» بقيادة عبد العزيز الحلو، والتي بدأت في الـ16 من الجاري، وسط تعليقات إيجابية من فريق الوساطة الجنوب سوداني. وتزامن الحَراك المتقدّم، مع صدور ما عُرف بـ«إعلان نيروبي» (18 أيار) الممهور بتوقيع رئيس الوزراء السوداني الأسبق، عبد الله حمدوك (بصفته الشخصية)، وقائد «حركة تحرير السودان»، عبد الواحد نور، الذي دعا إلى إنهاء الصراع عبر إقرار وقف فوري لإطلاق النار «يفسح الطريق أمام إنهاء الحرب»، وإرساء حكم مدني، وتكريس علمانية الدولة. وفي موازاة هذه «المسارات» السياسية، تتوجّه الأنظار إلى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تشهد صراعاً عسكريّاً محتدماً بين قوات «الدعم السريع» (التي باتت تحكم حصارها للمدينة) والجيش، تحسُّباً لوقوع كارثة إنسانية ستكون الأكبر من نوعها منذ اندلاع الأزمة قبل أكثر من عام، وربما في تاريخ «الحرب الأهلية» في السودان منذ استقلاله.
معركة الفاشر: صدام حتمي؟
حذّرت تقارير دولية متواترة، منذ نيسان الماضي، من أن سقوط الفاشر في يد «الدعم» سيقود حتماً إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين وتكرار مذبحة الجنينة، التي فرّ منها مئات الآلاف إلى الفاشر نفسها، فيما نأت قيادة «الدعم» بنفسها عن تلك الاتهامات، مدّعيةً أن أسباب العنف في الجنينة والفاشر «قَبلية»، علماً أن تجدُّد القتال في الأخيرة، منذ الـ10 من الشهر الجاري، أدى إلى مقتل العشرات وجرح المئات، بحسب توثيق «أطباء بلا حدود»، فيما دعا حاكم إقليم دارفور، مني مناوي، المدنيين إلى حمل السلاح، دفاعاً عن المدينة، خصوصاً في ظلّ عجز الجيش عن صدّ هجوم «الدعم». ويمثّل احتدام الصراع على عاصمة دارفور التاريخية، والواقعة على طريق قوافل مهمّ يربط تشاد بليبيا عبر السودان (ما يحيل إلى فهم أهمية موقعها في ظلّ المعطيات الإقليمية الراهنة من قَبيل الوجود الإماراتي في تشاد وليبيا المجاورتَين)، أحدث حلقات الحرب في السودان، المتجهة في ما يبدو إلى تكرار سيناريو أزمة دارفور 2003، علماً أن الفاشر تُعدّ آخر حصون الجيش في الولاية، وتضمّ أكثر من 1.6 مليون نسمة، غالبيتهم من المشرّدين داخليّاً، ومن عناصر «غير عربية». ومع تراجع حظوظ «الوساطات» الخليجية في الصراع، والاتهامات المتكرّرة التي ساقها «مجلس السيادة» للإمارات تحديداً، على خلفية دعمها لقوات «حميدتي»، وتجاهُل الأول متطلبات «منصّة جدة» - كما وضعتها واشنطن والرياض -، يبدو جليّاً أن الصدام المفتوح بين الجانبَين داخل المدينة ليست سوى مسألة وقت.
يمثّل احتدام الصراع على الفاشر، عاصمة دارفور التاريخية، أحدث حلقات الحرب في السودان

مسار نيروبي: فكّ ارتباط السودان الإقليمي
في خطوة عدّتها الخرطوم استفزازية، بادر الرئيس الكيني، وليام روتو، إلى استضافة رئيس الوزراء الأسبق، عبد الله حمدوك (رئيس حركة «تقدّم» المناهضة للحرب السودانية)، وقائد «حركة تحرير السودان» عبد الواحد نور، وقائد «حركة التحرير الشعبية السودانية - شمال» عبد العزيز الحلو، في نيروبي (18 أيار)، في محادثات اختُتمت بتوقيع «اتفاق سياسي» يهدف إلى «تسوية الصراع الدائر، والالتزام بمسار دعم العلمانية وفصل الدين عن الدولة والحق في تقرير المصير». وتعهّد الموقّعون بـ«العمل الجماعي» لمواجهة التحديات والتوصّل إلى «حلول دائمة»، ودعوا الأطراف المتصارعة إلى «الالتزام بالقانون الإنساني الدولي» وإلى «تأسيس نظام أمني وعسكري يلبّي المعايير الدولية»، بهدف «تكوين جيش وطني موحّد لتأمين الأمن القومي وفقاً للدستور». كما دعوا إلى «حكم مدني ديموقراطي فدرالي يضمن المشاركة المتساوية لجميع السودانيين في السلطة والموارد». وحرص روتو، من جهته، على تأكيد استمرار لعب بلاده دورها «كشريك رئيس في جهود تحقيق سلام دائم في السودان»، وأهميّة شمول الأطراف السياسية للمجتمع المدني «في العملية السياسية وتكوين حكومة مدنية».
لكن البيان لا يعبّر عن طرح جديد في واقع الأمر، بقدْر كونه تعميقاً للاتفاق السياسي الذي أبرمه قائد «الدعم»، محمد حمدان دقلو، مع عدد من «الحركات المدنية» المعارضة في عواصم إقليمية مختلفة (أبرزها أديس أبابا ونيروبي)، وبقيادة حمدوك نفسه. وفي وقت يواجه فيه السودان سيناريو حرب عرقية مكتملة الأركان، فإن الاتفاق لم يرقَ إلى مستوى طرح مقاربة وطنية شاملة، الأمر الذي يمكن الاستدلال عليه، من بين مؤشرات أخرى، من مبادرة عبد الواحد نور («سودان تريبون»، 19 الجاري) إلى توضيح أن توقيع حركته على «اتفاق نيروبي» جاء في سياق اعترافها بحمدوك رئيساً سابقاً للوزراء، وليس زعيماً لتحالف «تقدم»، لأن الحركة «ترفض جميع التحالفات السياسية المسبقة»، وهو موقف يفرّغ الاتفاق من مضمونه، كونه يؤكد نظرة الحركة إلى «تقدم» باعتباره تحالفاً نخبويّاً كوّنته مجموعة صغيرة للاستحواذ على السلطة.

محادثات جوبا: شبح الإمارات مجدّداً!
اكتسب مسار محادثات جوبا الجارية بين «مجلس السيادة» وحركة عبد العزيز الحلو، أهمية نسبية كونه دلّ على رغبة فريق البرهان في خوض محادثات سلام يمكن أن تسفر عن نتائج محدّدة، بعدما تجاهل الأخير مراراً دعوات الرياض إلى عقد محادثات مباشرة مع «الدعم السريع» من دون وضع أجندة واضحة. كما أن هذه المحادثات، التي جاءت استكمالاً لأخرى بين عضو «مجلس السيادة» شمس الدين الكباشي، وعبد العزيز الحلو، مطلع الجاري، لتيسير عمليات وصول المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة وقوات الأخير، تستهدف معالجة مجمل الأوضاع في «المنطقتين»، ما قد يكون من شأنه حفظ الاستقرار في ولايات جنوب كردفان وغرب كردفان والنيل الأزرق. ورغم التوقّف العارض في المناقشات لخلافات لم تذلّل بعد، فإن أطرافها اتّفقوا على استئنافها مطلع الأسبوع المقبل، فيما تشهد الولايات معارضة واضحة لأيّ تمدّد لقوات «الدعم» أو الجنوح إلى عقد تحالفات معها في المرحلة المقبلة، ولا سيما من قِبَل الحركات الموقّعة على «اتفاق جوبا».
وفي خضمّ ما رصدته تقارير مهمّة («أفريكا ريبورت»، 20 أيار) عن تصاعُد التنافس بين السعودية والإمارات في دعم فرقاء الحرب في السودان، لتعزيز مصالح كل منهما الاقتصادية والعسكرية في أفريقيا، برز اتهام مبارك أردول، عضو تحالف «الحرية والتغيير - الكتلة الديموقراطية» والناطق السابق باسم «حركة التحرير الشعبية - شمال»، للإمارات، بالتدخُّل السلبي في محادثات جوبا الجارية (القائمة على اتفاق مبدئي للكباشي - الحلو). ورغم مبادرة وزارة الخارجية الجنوب سودانية (18 أيار) إلى تفنيد «اتهامات» أردول، فإنها لم تتمكّن من دحض رواية الأخير الذي وثّق زيارة مسؤول إماراتي إلى مناطق خاضعة لسيطرة حركة التمرّد في جنوب كردفان بعد ساعات من وجوده في جوبا «بغرض إفساد الاتفاق». كما أنه لا يمكن استبعاد وجود تأثير إماراتي في المحادثات، في ضوء التقارب الكبير بين جوبا وأبو ظبي، بعد تعهّد الأخيرة، قبل أسابيع، بضخّ استثمارات بالمليارات في جنوب السودان.

الناشر

هدى الجمال
هدى الجمال

shadow

أخبار ذات صلة